◉ حان الوقت لإنهاء "العلاقة الخاصة" مع إسرائيل .. فهي لم تعد تساوي كلفتها الباهظة وحان وقت التغيير
تاريخ المقال: 2021/06/01
نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” قبل أيام مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن وولت بعنوان “حان الوقت لإنهاء “العلاقة الخاصة” مع إسرائيل”،
وقال فيه إن فوائد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل لم تعد توازي تكاليفه المرتفعة، مضيفا أن الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة تجاه الفلسطينيين، قدمت المزيد من الأدلة على أن واشنطن يجب أن توقف الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي غير المشروط لإسرائيل.
ومنذ ذلك الوقت تحول المقال إلى “تريند” وأصبح الموضوع الرئيسي في المجلة، حيث أشار في بدايته إلى جولة القتال الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي انتهت بالطريقة المعتادة: بوقف لإطلاق النار خرج الفلسطينيون منه الأكثر ضررا بدون حل المشاكل الجوهرية. ولكن الجولة كشفت عن ضرورة توقف الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي الأمريكي غير المشروط، “ففوائد تلك السياسة صفر والتكاليف باهظة وما تزال في ارتفاع. وبدلا من العلاقة الخاصة، تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية بينهما”.
وأضاف أن “العلاقة الخاصة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل كانت مبررة في يوم ما على أساس أخلاقي، وذلك أن إقامة دولة يهودية كان يعتبر الرد المناسب على قرون من معاداة السامية العنيفة في العالم المسيحي، بما في ذلك الهولوكوست.
و”كانت المبررات الأخلاقية قوية، لو تجاهل المرء تداعيات ذلك على العرب الذين كانوا يعيشون في فلسطين لقرون طويلة وفقط فيما لو اعتقد المرء أن إسرائيل تشترك مع الولايات المتحدة في قيمها الأساسية”. وتكون مبررة لو صدقنا أن إسرائيل هي فعلا “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ولكنها ليست ديمقراطية ليبرالية مثل الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن تحظى جميع الأديان والأعراق بحقوق متساوية (بغض النظر عن مدى مثالية هذه الغاية ومدى تحقيقها على أرض الواقع). فقد منحت الصهيونية بناء على غاياتها الأساسية، اليهود في إسرائيل امتيازات لم تمنحها لغيرهم وذلك عن إدراك وقصد.
ويعتقد والت أن عقودا من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي قد دمرت كل المبررات الأخلاقية التي كانت أساس الدعم الأمريكي. ذلك أن الحكومات الإسرائيلية من كل التوجهات لم تتوقف عن توسيع المستوطنات والتنكر لحقوق الفلسطينيين ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل ذاتها واستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة لقتل وترهيب سكان غزة والضفة الغربية ولبنان دون خشية من المساءلة أو العقاب.
ولم يكن مفاجئا أن تصدر كل من منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسيلم تلك التقارير الموثقة بشكل جيد وتصف تلك السياسات بكونها تنم عن ممارسات نظام الفصل العنصري (أبارتيد).
وأضاف أن انحراف السياسة الإسرائيلية نحو اليمين والدور المتعاظم للأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية كان سببا في إلحاق مزيد من الضرر بصورة إسرائيل، بما في ذلك في أوساط كثير من اليهود الأمريكيين.
وتساءل الكاتب إن كانت إسرائيل مكسبا استراتيجيا، وأجاب أنه في الماضي كان هذا الكلام مبررا. فأثناء الحرب الباردة، مثلا، كانت مساندة إسرائيل طريقة فعالة للحد من نفوذ الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط لأن الجيش الإسرائيلي كان قوة مقاتلة متفوقة على القوى العسكرية العميلة للسوفييت مثل مصر وسوريا. كما كانت إسرائيل توفر مصدراً مفيدا للمعلومات الاستخبارية من حين لآخر. ولكن الحرب الباردة انتهت قبل 30 عاما أو يزيد. وبات الدعم غير المشروط لإسرائيل يسبب اليوم مشاكل أكثر لواشنطن لم تعد لديها القدرة على حلها. فلم تتمكن إسرائيل من عمل شيء لمساعدة الولايات المتحدة في حربيها ضد العراق. بل واضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل أثناء حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات صواريخ سكود العراقية.
وحتى لو استحقت إسرائيل الثناء بتدمير المفاعل النووي السوري الذي كان حينها قيد الإنشاء في عام 2007 أو في المساعدة على تطوير فيروس ستاكسنيت الذي استخدم لإلحاق أضرار مؤقتة في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، فإن قيمتها الاستراتيجية باتت أقل بكثير مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة. كما أن الولايات المتحدة ليست مجبرة لتزويد إسرائيل بدعم غير مشروط من أجل أن تحصد مثل تلك الفوائد.
وأشار الكاتب إلى كلفة العلاقة الخاصة الباهظة، بدءا من مساعدات عسكرية واقتصادية تزيد عن 3 مليارات دولار لإسرائيل كل عام، وذلك على الرغم من ثراء إسرائيل التي تحتل المرتبة التاسعة عشر عالميا من حيث مستوى دخل الفرد. مع أن التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة هي سياسية.
وكما أثبتت أحداث الأسابيع الماضية، فالدعم غير المشروط لإسرائيل يزيد من صعوبة ادعاء الولايات المتحدة التفوق الأخلاقي على المسرح الدولي.
وفي وقت تحاول فيه إدارة بايدن تحسين سمعة الولايات المتحدة بعد 4 سنوات كارثية من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتحاول التمييز بين سلوك وقيم الولايات المتحدة وتلك التي تصدر عن خصومها مثل الصين وروسيا، كما تسعى في أثناء ذلك إلى إعادة تقديم نفسها باعتبارها الضامن لنظام عالمي يقوم على القيم والأخلاق.
وعندما تقف الولايات المتحدة وحيدة وتستخدم حق الفيتو لمنع 3 قرارات منفصلة لمجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار، وتعيد التأكيد أكثر من مرة على أن إسرائيل لها “حق الدفاع عن نفسها”، وتقرر تزويد إسرائيل بأسلحة إضافية تقدر قيمتها بحوالي 735 مليون دولار. وبالمقابل تقدم للفلسطينيين كلاما لا قيمة له حول حقهم في العيش في الحرية والأمن، بينما تدعم حل الدولتين (رغم أن هذا الأخير لم يعد يأخذه أحد على محمل الجد)، فإن إدعاءالالتزام بالمستوى الأخلاقي يغدو فارغا ونفاقا مفضوحا. ولذلك لم يكن مستغربا أن تسارع الصين إلى الاستهزاء بالموقف الأمريكي.
كما وساعدت عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل على زيادة الأخطار التي واجهتها الولايات المتحدة من الإرهاب. وكان أسامة بن لادن وغيره من رموز القاعدة في غاية الوضوح بهذا الشأن، حيث كان الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل ومعاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين أحد الأسباب الرئيسية التي حفزتهم على اتخاذ القرار بمهاجمة “العدو البعيد”. كما ورد في تقرير هيئة التحقيق الرسمية في 9/11 بخصوص خالد شيخ محمد، والذي وصفته بالعقل المدبر للهجمات و”باعترافه شخصيا، فإن مشاعر عداء خالد شيخ محمد تجاه الولايات المتحدة لم تنتج عن تجاربه هناك عندما كان طالبا وإنما جاءت من معارضته الشديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل”.
وربط الكاتب العلاقة الخاصة بالمغامرات الأمريكية الفاشلة الأكبر الشرق الأوسط بشكل عام، بما في ذلك غزو العراق في عام 2003. ولم تكن إسرائيل هي من ابتدع هذه الفكرة السخيفة وإنما تنسب إلى تيار المحافظين الجدد المناصر لإسرائيل في الولايات المتحدة. وعارض بعض قادة إسرائيل الفكرة في البداية وأرادوا من إدارة جورج دبليو بوش التركيز بدلاً من ذلك على إيران. ولكن بمجرد أن قرر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الإطاحة بالزعيم العراقي صدام حسين ستكون الخطوة الأولى في برنامج أشمل لإعادة تشكيل المنطقة ككل انضم إلى الجوقة كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك نتنياهو ورئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان إيهود باراك وشمعون بيريز، وساعدوا في تسويق فكرة الحرب لدى الشعب الأمريكي.
أما معزوفة العلاقة الخاصة التي تقول إن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا يتزعزع من مناصرة إسرائيل امتحانا لابد من اجتيازه حتى يتمكن المرء من العمل في الحكومة، مما يقود إلى استبعاد عدد كبير من الأمريكيين المؤهلين والموهوبين.
وفي المقابل تزول كل المعوقات أمام كل من يعرب عن دعمه المطلق لإسرائيل ويتمكن من الوصول إلى أعلى المناصب في الحكومة، وكل من يعرف عنه نقده لإسرائيل ولو بشكل طفيف فإن طلبه للتوظيف سيواجه بالمشاكل.
فإذا ما تشكل انطباع عن شخص ما بأنه لا يناصر إسرائيل بما فيه الكفاية فقد يتم قطع الطريق على تعيينه كما حدث عندما اختير الدبلوماسي المخضرم ومساعد وزير الدفاع الأسبق تشاز دبليو فريمان في البداية ليشغل منصب رئيس مجلس المخابرات الوطنية في عام 2009، أو إجبار المرشحين على القيام بتصرفات مهينة مثل الإعراب عن الأسف الشديد أو التذلل.
ويؤكد وولت أن المطالبة بإنهاء العلاقة الخاصة لا تعني الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات أو إلى إنهاء كل أشكال الدعم الأمريكي، وإنما هي مطالبة بأن تكون للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل مثلها مثل علاقات واشنطن بالبلدان الأخرى. ومن خلال العلاقة الطبيعية سوف تقوم واشنطن بمساندة إسرائيل عندما تقدم على فعل أشياء تنسجم مع مصالح وقيم الولايات المتحدة بينما تنأى بنفسها عنها عندما تتصرف إسرائيل بشكل مخالف. وسوف تتوقف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل من الإدانة في مجلس الأمن الدولي، إلا حينما تستحق إسرائيل عن جدارة مثل تلك الحماية.
وحينها لن يجد المسؤولون الأمريكيون حرجاً في توجيه انتقادات صريحة بلغة مباشرة لنظام الأبارتيد في إسرائيل. وسيكون السياسيون والمعلقون وصناع السياسية في الولايات المتحدة أحرارا في أن يشيدوا بأعمال إسرائيل أو أن ينتقدوها – تماما كما يفعلون بانتظام في حال البلدان الأخرى – دون الخشية من أن يفقدوا وظائفهم أو أن يتعرضوا لحملات تشويه وتلطيخ سمعة بدوافع سياسية بحتة.
تاريخ المقال: 2021/06/01
ما رأيك؟
قواعد المشاركة
نريدك أن تكون مصدرًا لزملائك من القراء ونأمل أن تستخدم قسم التعليقات لإجراء ذلك. لقد صممناها لرفع وتوسيع الاستجابات الأكثر ذكاءً وإدانةً ، وتقليل أو إخفاء الأسوأ. هذه هي قواعد الطريق:
ابقى في صلب الموضوع
عند تقديم تعليق ، لا تخرج عن الموضوع. لا تعلق على المعلقين الآخرين أو معتقداتهم السياسية المفترضة. ناقش مزايا القصة نفسها. لا تنشر تومي. هذا ليس المكان المناسب لصق فصل من رسالتك (أو أي شخص آخر) أو ورقة بيضاء.
أظهر الإحترام.
نحن نشجع ونقدر النقاش العميق. ما عليك سوى التأكد من أنه عندما لا تتفق مع فرضية القصة أو أي معلق آخر ، فإنك تفعل ذلك بطريقة محترمة ومهذبة.
كن مهذبا وحافظ على نظافته
نحن نغطي التكنولوجيات الجديدة موقعنا ليس منفذاً للفظاظة. نحن لا نتسامح مع الإهانات الشخصية ، بما في ذلك استدعاء الأسماء أو العنصرية أو التمييز الجنسي أو الكلام الذي يحض على الكراهية أو الفحش. هذا يعني أنه لا توجد أي ملاحظات بذيئة أو مسيئة أو مضايقة أو تنمر. إذا لم تكن مدنيًا ومهذبًا ، فلا تنشره.
تجاهل المتصيدون
أفضل رد على القزم - شخص ما يتكرر عدائيًا واستفزازًا - ليس ردًا. من فضلك لا تشجع السلوك السيئ عن طريق الاستجابة ؛ انها لا تخدم سوى لسرور المتصيدون والبيض عليها. إذا كان هناك شخص ما يسيء استخدام موضوع مناقشة ، فأبلغ عن أي تعليقات مسيئة ، وسنتناول الموقف.
كن مسؤولاً وأصيلاً
انشر آرائك فقط بكلماتك الخاصة. أنت مسؤول عن المحتوى الذي تنشره.
لا تنشر رسائل غير مرغوب فيها أو إعلانات
إذا لم يكن لديك عقد إعلان معنا ، فإن هذا الموقع الإلكتروني ليس عبارة عن لوحة إعلانات لنشاطك التجاري. لا تنشر محتوى غير مرغوب فيه أو محتوى ترويجي ذاتي أو حملات إعلانية. لا ضغط أو تجنيد أو استجداء.
نقرأ التعليقات
على الرغم من أن مجالس مناقشاتنا لا تخضع للإشراف الرسمي ، إلا أننا نولي اهتمامًا وثيقًا بها. نحتفظ بالحق في تعديل أو حذف التعليقات التي لا تلبي معاييرنا.
نحن نحظر الأعضاء الفاضحين
إنه ليس شيئًا نتمتع به. ولكن عند الضرورة ، سنحظر الأعضاء الذين لا يلتزمون بهذه الإرشادات.
شكرا على اتباع هذه المبادئ التوجيهية.